جروح اليمن وصناعة الموت بالإرهاب الحوثي المدلل

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جروح اليمن وصناعة الموت بالإرهاب الحوثي المدلل, اليوم الخميس 8 مايو 2025 06:16 مساءً

خطفت الدولة، والمال والاقتصاد والسياسة والمقدرات، وأرزاق العباد. حتى أرواحهم بأيدي الشخص الخطأ. البشر والحجر في خانة تاريخية غير صحيحة، وغير مناسبة. احترقت الآمال والتطلعات والأحلام. والخريطة تنزف. والحداد يباهي بما صنع، يتفاخر برائحة الموت التي تفوح في كل مكان.

تلك المقدمة ليست لقصة بوليسية. هي جزء من واقع الحال في اليمن. واليمن السعيد غير سعيد، بل جريح يعاني من لدغات الثعابين. القنابل والصواريخ القادمة من البحر ومن تل أبيب، باتت العنوان الرئيس للدولة – أو ما تبقى من دولة – إن جاز التعبير. أصبح هدير المقاتلات والقنابل الموجهة من كبد السماء، مصدر رعب يقلق الأمهات على فلذات الأكباد.

قدر اليمن أن يكون ضحية حماقات سياسية لا يمكن أن يغفرها التاريخ للرئيس علي عبد الله صالح، الذي جثم على صدر الدولة أكثر من ثلاثة عقود. فقد تعمد تحويلها إلى غابة يتقاتل بها أبناء النسيج الواحد، حتى يتسيد، ويخال للجميع أنه الوحيد القادر على حكم الدولة. ومقولته الشهيرة «إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين» دليل على ذلك.

وحكم صالح، لا يمكن أن يكون بمعزل عن حالة اليمن اليوم، على يد جماعة مارقة اسمها «أنصار الله الحوثية»، والتي سمح لها بالولادة، مناكفة لحزب الإصلاح، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين.

قضيتي اليوم ليست صالح، إنما النتيجة التي وصل لها اليمن، في ظل غياب المنهجية الأخلاقية والسياسية والاجتماعية، لدى من يصورون أنفسهم أنهم صالحون لممارسة السياسة.

فجماعة الحوثي، التي قامت على أساس أيديولوجي مقيت، اجترت الدولة للسقوط في وحل الدمار. كيف؟ بمخادعة الآخرين. وهذا يتجسد في سعيها لإقناع الرأي العام المحلي والعربي، أن إرهابها المصطنع، ومهاجمة الناقلات البحرية في مضيق باب المندب، بالإضافة إلى إرسال صواريخ لإسرائيل، مساندة لقطاع غزة. وهذا في تصوري كذب في وضح النهار.

لماذا؟ أولا: غزة ليست بحاجة المساندة غير المثمرة. ثانيا: لأن ذلك ينقل الأمر من حق إنساني، للاستهلاك السياسي والإعلامي، الذي تعتمد عليه جماعات وأحزاب التطرف في العالم العربي، لتسويق وشرعنة الوجود والمنهجية التي نشأت عليها.

ثالثا: فإن ممارسة العربدة الإرهابية لا تخدم ملف غزة، ولا القضية الفلسطينية ككل، بل من شأنها نقلها من قضية عادلة إلى فاشله بكل المقاييس. وقد يتسع الأمر لأن يصل إلى اعتبارها مبررا مشروعا لمواصلة سلب حقوق الشعب الفلسطيني بأسره، وليس الغزاوي فحسب.

هذا بالنسبة للنطاق الواسع. ماذا عن الصعيد الداخلي اليمني؟ لا يمكن إنكار أن ممارسات الحوثي انعكست على اليمنيين بالويلات والقتل والتشرذم. أعني أن مهاجمة خطوط الملاحة الدولية، استدعت تدخل القوة النارية الأمريكية، التي لا تبقي ولا تذر. بالمحصلة تضرر الإنسان اليمني من رد الفعل الأمريكية العنيفة، بالدرجة الأولى. فالقصف الجوي الأمريكي والإسرائيلي المتزامن طال مواقع حيوية، يقتات منها اليمنيون الشرفاء.

ما نتائج ومكاسب تلك العنجهية؟ صفر. وهذه نتيجة طبيعية لمن تسول له نفسه مقارعة قوة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية. بالمناسبة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل كتابة هذا المقال بساعات. قال من البيت الأبيض إن جماعة الحوثي طلبت - عبر وسيط موثوق أعتقد على الصعيد الشخصي أنه عماني - وقف الهجمات، مقابل تعهدها بعدم تكرار مهاجمة السفن في باب المندب.

ما تفسير ذلك؟ إذلال للحوثي، وعار مخزٍ يفقده قيمته الاعتبارية. والجماهير العربية ليست بمستوى الغباء الذي تتصوره الجماعة. من الطبيعي أن يتبادر لأذهانها تساؤل، مفاده كيف لمن لم يستطع حماية نفسه، وظهر بصورة الكسير المهزوم، أن يناصر قضية - القضية الفلسطينية - بالمفرقعات!

إن جماعة الحوثي التي سلبت الإرادة اليمنية المخلصة بقوة السلاح، تتحمل مسؤولية تدني مستوى تنمية المواطن اليمني بشريا. وهذا ليس حديثا مرسلا، بل مبني على تقرير أصدرته الأمم المتحدة العام الماضي.

ومسؤولة أيضا عن كسر الشخصية اليمنية ذات التاريخ العريق، وإلغاء هيبة الدولة بنقلها لمفهوم الجماعة. حتما لن يمر ذلك مرور الكرام، على الأقل في التاريخ الذي سيضع أنصار الله في أقذر صفحاته.

زرت اليمن مرتين. شاهدت اعتصام الحوثيين قبل أن تقوى شوكتهم في أحد شوارع صنعاء. نصبوا الخيام بطريقة مندسة. كانوا وقتذاك، وفق ما رأيت صامتين لا صوت لهم. ودون أدنى شك بلا قيمة. أعاد لي الحبيب ترامب ذلك المشهد، حين قال تصريحه الذي كتبته مسبقا.

حدثني عن حضارة اليمن، أحدثك عن القيم الاجتماعية. قل لي إن الأعراف تحكم مجتمعا ما في بقعة ما، أجيبك في اليمن.

أتذكر أني مررت على سوق للسلاح في صنعاء. جميع أنواعه حاضرة، عدا الطائرات والدبابات. سألت حينها المرافقين الذين وفرهم لي رئيس الوزراء محمد باسندوة، الذي تعرفت عليه من خلال مستشاره الصديق راجح بادي سفير اليمن الشرعية في الدوحة. أجابوا «كل ما تراه محكوم بقانون القبيلة».

استغربت. ولا مناص لي إلا الصمت.

الآن فهمت تلك الإجابة. لذا يفترض على القبائل اليمنية العريقة أن تعمل للمحافظة على بلادهم وإرثهم، الذي يستحيل اختزاله بالحوثي، لأن الأقلية المتخلفة لا يمكن لها أن تحكم الأغلبية العاقلة المنضبطة.

ليس من باب التحريض، بل لعلاج الجروح والقضاء على صناعة الموت، وكتابة نهاية لأفكار الحوثي التي أنتجها.. الإرهاب المدلل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق