استثمارات دول الخليج... حق سيادي في مواجهة الأصوات النشاز

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
استثمارات دول الخليج... حق سيادي في مواجهة الأصوات النشاز, اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 12:34 صباحاً

هل يحق للأصوات النشاز أن تنتقد استثمارات دول الخليج في الاقتصادات العالمية القوية؟ وما هي الدوافع الحقيقية وراء هذه الانتقادات؟ في تداخل الخيوط الاقتصادية والسياسية تتجلى ملامح واضحة تشير إلى أن هذه الانتقادات لا تستند إلى حقائق موضوعية، بل تنطلق من دوافع سياسية وأيديولوجية مشبوهة، وتعكس حالة من الحسد والتنمر تجاه النجاح الخليجي.

وتؤكد الأرقام و الإحصائيات أن دول الخليج العربي، منذ تأسيسها، اتخذت نهجا متوازنا في إدارة ثرواتها، يجمع بين الإنفاق على التنمية المحلية، وتقديم المساعدات الخارجية السخية، واستثمار جزء من فوائضها المالية في اقتصادات متقدمة ومستقرة. وقد أثبتت هذه السياسة الحكيمة نجاحها على مدى عقود، حيث استطاعت دول الخليج أن تحافظ على استدامة ثرواتها وتنميتها للأجيال القادمة، وفي الوقت نفسه أن تقدم نموذجا للعطاء والمساعدة لمن يحتاجها.

ولمن نظر بعين لا غشاوة فيها يمكن أن يستنتج أن الأصوات النشاز التي تنتقد استثمارات دول الخليج في الاقتصادات العالمية القوية، وتصفها بأنها «نهب» أو «تبديد للثروات»، هي في الحقيقة أصوات تنتمي إلى أنظمة دكتاتورية فاسدة أو تنظيمات إرهابية، أو تتبنى أيديولوجيات متطرفة معادية للنجاح والاستقرار. هذه الأصوات تتجاهل عمدا حقيقة أن دول الخليج تمتلك الحق السيادي الكامل في إدارة ثرواتها واستثماراتها وفق ما تراه محققا لمصالحها الوطنية.

لم تبخل الذاكرة الجماعية علينا بحقائق تثبت أن دول الخليج العربي قدمت عبر عقود طويلة مساعدات سخية للدول العربية والإسلامية والنامية، بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات. فعلى سبيل المثال، بلغت المساعدات التي قدمتها المملكة العربية السعودية منذ عام 1975م إلى 2024م، نحو 498.54 مليار ريال (132.94 مليار دولار). وفي الفترة بين عامي 1976 و1987م، بلغت المساعدات الدولية الإنمائية للسعودية 49 مليار دولار أمريكي، واحتلت المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد بلغت المساعدة الإنمائية الرسمية لدولة الإمارات التي تم قياسها كحصة من الدخل القومي الإجمالي 1.17% في عام 2014، وهذا أعلى من اتفاق الأمم المتحدة للدول لإعطاء 0.7% من دخلها القومي الإجمالي كمساعدات تنموية رسمية سنويا. وقد حافظت الإمارات على هذا المستوى بل وتجاوزته في بعض السنوات، ما جعلها في طليعة الدول المانحة عالميا مقارنة بحجم اقتصادها. وقد صُنِّفت في تقارير دولية، مثل تقرير لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، كأكبر مانح للمساعدات الخارجية كنسبة من الدخل القومي الإجمالي لعدة أعوام متتالية.

ويعكس هذا التوجه التزام الإمارات العميق بمسؤولياتها الإنسانية والتنموية، وحرصها على الإسهام الفاعل في تحقيق الاستقرار والازدهار في الدول النامية، انطلاقا من رؤية تعتبر أن تعزيز التنمية في هذه الدول هو ركيزة للاستقرار العالمي، وليس مجرد خيار دبلوماسي أو دعائي.

إننا لو نظرنا بعين العقل والعدل لوجدنا أن دول الخليج لم تمنّ يوما على أحد بمساعداتها، ولم تستخدمها كأداة للضغط السياسي أو للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستفيدة، بل قدمتها بروح إنسانية خالصة، وبدافع من المسؤولية الأخلاقية والدينية والإنسانية. وهذا ما يميز المساعدات الخليجية عن مساعدات بعض الدول الكبرى التي غالبا ما تكون مشروطة بمواقف سياسية أو بمصالح اقتصادية.

إن توجه دول الخليج لاستثمار جزء كبير من فوائضها المالية في الاقتصادات العالمية القوية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ليس قرارا عشوائيا أو نزوة عابرة، بل هو استراتيجية اقتصادية مدروسة بعناية، تستند إلى فهم عميق لآليات الاقتصاد العالمي ومتطلبات الاستثمار الآمن والمجدي.

من المعلوم أن الاقتصاد الأمريكي يستأثر بما يزيد عن 40% من حجم الاستثمارات العالمية، ما يجعله المحطة الأولى للدول التي تمتلك فوائض مالية وتسعى لتوظيفها بذكاء لتعظيم العائد وتقليل المخاطر. فبفضل حجمه الهائل، واستقراره النسبي، وتنوعه القطاعي، يوفّر الاقتصاد الأمريكي بيئة استثمارية جاذبة تجمع بين الأمان والتنوع والعوائد المستقرة، في مقابل ما تنطوي عليه الاقتصادات الناشئة وغير المستقرة من تقلبات ومخاطر.

ونستطيع أن نستنتج أن الاستثمار في السوق الأمريكي ليس فقط قرارا اقتصاديا، بل هو أيضا أداة ذكية لحماية المصالح السياسية والاستراتيجية. فدول الخليج، بحكم موقعها الجغرافي وثرواتها النفطية، تواجه تحديات أمنية وسياسية متعددة، وتحتاج إلى حلفاء أقوياء يمكنهم توفير الحماية والدعم في مواجهة التهديدات الإقليمية. والاستثمار في الاقتصادات القوية، وخاصة الاقتصاد الأمريكي، يعزز العلاقات الاستراتيجية ويخلق مصالح مشتركة تدعم الاستقرار والأمن الإقليمي.

ما يتكشف أمامنا في تفاصيل الواقع أن البيئة الاستثمارية في الاقتصادات المتقدمة تتميز بعدة خصائص تجعلها جاذبة للاستثمارات الخليجية، منها الاستقرار السياسي والاقتصادي، والبنية التشريعية والقانونية المتطورة، وتنوع الفرص الاستثمارية، والتطور التكنولوجي والابتكار، وسهولة الدخول والخروج من الاستثمارات.

وإذا نظرنا إلى الأمور بعين العقل والاتزان يتضح لنا أن وصف استثمارات دول الخليج في الاقتصادات العالمية القوية بأنها «نهب» هو وصف مغلوط ومضلل، ينم عن جهل بطبيعة الاقتصاد العالمي وآليات الاستثمار الدولي. فالاستثمار ليس «نهبا» بل هو عملية تبادلية تعود بالنفع على الطرفين: المستثمر والجهة المستثمر فيها. فدول الخليج تحصل على عوائد مالية وفوائد استراتيجية من استثماراتها، والاقتصادات المستقبلة للاستثمار تستفيد من تدفق رؤوس الأموال التي تساهم في تمويل المشاريع وخلق فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي.

دول الخليج تبنت منذ نشأتها نموذجا للحكم والإدارة يقوم على الرشادة والشفافية والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، فقد أدركت هذه الدول منذ البداية أن الثروة النفطية هي ثروة ناضبة، وأن الاعتماد الكلي عليها يشكل خطرا على مستقبل الأجيال القادمة. ولذلك، اتبعت سياسات حكيمة في إدارة هذه الثروة، تقوم على ثلاثة محاور رئيسية: الإنفاق على التنمية المحلية، وتقديم المساعدات الخارجية، واستثمار جزء من الفوائض المالية في الأسواق العالمية.

كذلك فإن الانفتاح والتعايش يشكلان سمة أساسية ومميزة للمجتمعات الخليجية، تميزها عن المجتمعات التي تسيطر عليها الأنظمة الدكتاتورية أو التنظيمات المتطرفة.

بلا شك أن دول الخليج العربي قد نجحت في بناء مجتمعات منفتحة ومتسامحة، تتعايش فيها مختلف الثقافات والأديان والأعراق في جو من الاحترام المتبادل والتعاون البناء. فعلى سبيل المثال، تستضيف دول الخليج ملايين الوافدين من مختلف دول العالم، يعملون ويعيشون فيها بحرية وكرامة، ويمارسون شعائرهم الدينية وعاداتهم الثقافية دون قيود أو مضايقات.

بلا شك يمكن القول إن استثمارات دول الخليج في الاقتصادات العالمية القوية تمثل نموذجا للإدارة الرشيدة للثروات الوطنية، وتعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى تستهدف ضمان مستقبل مزدهر ومستدام للأجيال القادمة، وإن الأصوات النشاز التي تنتقد هذه الاستثمارات لا تستند إلى حقائق موضوعية أو تحليلات اقتصادية رصينة، بل تنطلق من دوافع سياسية وأيديولوجية مشبوهة، وتعكس حالة من الحسد والتنمر تجاه النجاح الخليجي في إدارة ثرواته واستثماراتها بحكمة وبُعد نظر.

drsalemalketbi@

أخبار ذات صلة

0 تعليق