حسابات أوروبا في صراع طهران وتل أبيب

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حسابات أوروبا في صراع طهران وتل أبيب, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 10:24 مساءً

عادة ما تفتح الحروب والمواجهات العسكرية الأبواب أمام البحث والمتابعة والتنظير والتكهنات، بل حتى محاولة استشراف النتائج، وهو بلا شك أمر يدفع إلى الخوض في التفاصيل الدقيقة لمعرفة مواقف الدول من سياسات بعضها بعضا، مع مراعاة التصريحات الرسمية والتلميحات التي تعكس واقع الحال لأي موقف دولي تجاه حرب مصيرية مثل تلك التي تدور رحاها هذه الأيام بين إسرائيل وإيران.

إن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، طرحت في الأوساط السياسية العالمية تساؤلات عديدة، وتختلف درجات أهميتها وفق عوامل القوة والضعف عسكريا وأمنيا واقتصاديا، إلى جانب المعطيات الجيوسياسية ومواقف الحلفاء والخصوم وغيرها، إلا أن هناك تساؤلا مهما في هذه الحرب، التي يصعب بل يكاد يستحيل التكهن بمآلاتها، ويتمحور حول الحسابات الأوروبية المرتبطة بالعلاقة مع طهران وتل أبيب في آن واحد، وإلى أين ستتجه البوصلة الأوروبية بخصوص هذا الملف.

وقبل النظر بعمق والبحث طويلا ومليا في العلاقات الأوروبية مع الدولتين، فالاقتصاد والسياسة والأمن، عوامل تلعب دورا كبيرا في تأطير الارتباط بين تلك الدول ببعضها بعضا، بالإضافة إلى تداخل الحسابات الجيوسياسية، ما يجعلها معادلة معقدة إلى حد كبير.

ففي الإطار السياسي والتاريخي، أوروبا تميل لدعم إسرائيل، وهذا له ركائز، أبرزها نفوذ السياسة الأمريكية القوي وهيمنتها على القرارات الأوروبية، منذ الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، إضافة إلى حجم التغلغل اليهودي الكبير في مراكز القرار الغربية، سواء في أمريكا أو أوروبا، مع الأخذ بالاعتبار أن دول القارة العجوز تعد إسرائيل حليفة ديموقراطية تعيش في حالة استقرار، حيث توسعت معها خلال العقود الماضية، في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا، في حين أنها تعد النظام الإيراني نظاما «ثيروقراطيا» ولا تخجل من وصفه بـ»المتطرف».

أما في الناحية الاقتصادية، فلدى دول أوروبا وعلى وجه الخصوص، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قلق من أن يؤدي الصراع لإغلاق مضيق هرمز، وبالنظر للإحصائيات الواردة للقارة الأوروبية، فإن حوالي ثلاثين بالمئة من احتياجاتها النفطية والغازية، تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على الخليج العربي، وفي حال إغلاق المضيق، فإن ذلك سيؤدي لا محالة إلى ارتفاعات هائلة في أسعار الطاقة، ما سينعكس دون شك على استقرار السوق الأوروبي، وهو ما يعد خطرا محدقا لتلك الدول، لذلك فهي تعيش رعبا من أن تبلغ الأمور ذلك المضيق.

وفي الحقيقة، هناك مواقف تعاني منها الدول الأوروبية الثلاث، وتعد نقطة سوداء في تلك العلاقة مع هذه الحرب، ناتجة عن أنها كانت طرفا فاعلا يوما ما عام 2015م، في إنجاز ما سمي بالاتفاق النووي، إبان فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عندما لم تكن ترغب في الصدام مع واشنطن، التي استخدمت برلين ولندن وباريس، كرافعة للاتفاق الذي تم إبرامه في جنح الظلام، ومنح طهران آن ذاك ما لا تستحقه، وهو ما أرضى الطرف الأمريكي، وأغضب الجانب الإسرائيلي في الوقت نفسه، حيث كانت تل أبيب ترفض أي شكل من أشكال التقارب مع إيران.

إن الدول الأوروبية الفاعلة بعض الشيء في السياسة العالمية، تعاني حالة تذبذب وعدم اتزان، والشاهد أنها انقلبت على النظام الإيراني بعد سقوط الشاه، المعروف بتحالفه مع الغرب إبان الثورة الخمينية عام 1979م، ومع الوقت عاشت علاقة ودية من وراء الستار مع نظام نبذته في السابق، وطالما عدته خطرا استراتيجيا، لاعتماده على الميليشيات والحركات المسلحة، وتصدير الثورة، وفي تناقض صريح سارعت لأن تكون شاهدة على اتفاق منح إيران كل شيء، دون مكتسب حقيقي حصل عليه الطرف المقابل، أكثر من إنتاج حالة من النفور والتباعد مع دول الخليج العربي، نظير عدم استشارتها ووضعها في صورة ذلك الاتفاق الذي مزقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى.

ودون أدنى شك، تجد القارة العجوز في إيران حليفا تقتصر العلاقة معه على الناحية الاقتصادية فقط، لما تمتلكه من طاقة، سواء نفط أو غاز، وما ينتج عن تلك المقدرات، ما جعلها تتوسع في احتوائه، لكن تلك السياسة لا تناسب الأسلوب الإيراني، الذي يبحث عن دعم مطلق لا احتواء جزئي، وذلك المنطق لا يمكن أن تقدم عليه لا فرنسا ولا بريطانيا ولا ألمانيا، خشية من العقاب الأمريكي، الذي تتحكم به «لوبيات» يهودية تخترق دوائر صنع القرار الأمريكية وتتصرف بها طبقا للمصالح الإسرائيلية البحتة.

لذلك يمكن القول إنه في أي حرب بين إسرائيل وإيران، ستقف الدول الأوروبية دبلوماسيا وسياسيا مع إسرائيل رغما عنها، بينما تجتهد في إطار نشاط خفي مع إيران، لحماية مصالحها النفطية، لكن ذلك بات مكشوفا في وضح النهار، وهذا ما حدث بالفعل، بالنظر إلى التصريحات الأوروبية، التي ركزت على البرنامج النووي الإيراني كونه يشكل خطرا عالميا، وكان بطاقة سماح لتل أبيب في شن تلك الهجمات، من باب الدفاع عن النفس.

إن حالة التغاضي الفاضحة التي تمارسها أوروبا مع إسرائيل والدعم الأعمى لها في جوانب استراتيجية، مقابل خطبها ود إيران في الظلام، لمنع التصعيد حماية لمصالحها النفطية تضعف من الصورة السياسية الكبرى لتلك الدول، بل إنها تعكس حالة من عدم الاتزان في مواقفها السياسية، وهذا ما يفقدها إقناع الرأي العام في دولها وفي العالم.

أخبار ذات صلة

0 تعليق