نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل أنت قائد أم مدير؟, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 12:40 صباحاً
الإدارة والقيادة مفهومان طالما اختلطا لدى الكثير، إلا أن الدراسات الحديثة في علوم السلوك التنظيمي تشير إلى أن كلّا منهما يُمارس بأسلوب مختلف وله أثر متباين على الأداء العام. فالإدارة تركز على النظام، الهيكلة، ومراقبة الأداء، بينما القيادة تُعنى بالتحفيز، بناء الرؤية، وإحداث التغيير. الإدارة تُعالج التعقيد، أما القيادة فتعانق الغموض وتوجهه.
تُظهر التجارب المؤسسية أن الإدارة الناجحة يمكن أن تُبقي المؤسسة قائمة، لكن القيادة الملهمة هي التي تنقلها إلى الريادة. شركة "نوكيا" مثال صارخ على هذا؛ فعلى الرغم من إدارتها المنضبطة والبنية التشغيلية المحكمة، إلا أن غياب القيادة القادرة على استشراف التحولات التقنية تسبب في فقدانها ريادتها. لم يكن الخطأ في إدارة العمليات، بل في غياب من يتخذ قرارات جريئة خارج الإطار التقليدي. بالمقابل، نجد أن شركة "أبل" تحت قيادة ستيف جوبز لم تكن فقط تُنتج هواتف، بل تُعيد تشكيل علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، بفضل قيادة قادرة على استبصار الاحتياج قبل أن يُعبّر عنه السوق.
في دراسة منشورة بمجلة Harvard Business Review، وُجد أن 80% من الموظفين الذين يتركون وظائفهم لا يتركون الشركات، بل يتركون "المديرين". هذا يؤكد أن من يشغل موقع المسؤولية يحتاج ما هو أعمق من الكفاءة الإدارية؛ يحتاج إلى وعي قيادي قادر على بناء الثقة، وتحقيق الانتماء، وخلق بيئة تُمكّن لا تُقيّد.
القيادة ليست امتيازا وظيفيا، بل سلوك يمكن تعلّمه وتطويره. القائد الحقيقي لا يُشرف فقط على المهام، بل يُلهم فريقه، يطرح الأسئلة الصعبة، ويحتوي الخلاف لا يتهرب منه. يتقدم الصفوف حين تقع الأزمات، ويجعل النجاح إنجازا جماعيا لا فرديا.
وقد أثبتت تجارب العمل مع فرق تطوعية أن القائد ينجح غالبا في تحريك من لا تربطه به سلطة مباشرة، بينما يفشل المدير في تحفيز موظفين يتبعونه إداريا. تلك الفرق تقدم لنا مشهدا واضحا: القيادة تتجلى في التأثير لا في الصلاحيات.
والسؤال الأهم: كيف نعرف من نحن؟ مديرون أم قادة؟
ربما تبدأ الإجابة من لحظة صدق مع الذات، حين نسأل أنفسنا: هل يخافني الناس أم يلهمهم وجودي؟ هل أراقب وأقيم فقط، أم أزرع الحماس وأحفّز الطموح؟ هل أغضب حين يخالفني الفريق، أم أحتوي اختلافهم وأبني عليه؟
القيادة هي القدرة على تحريك العقول والقلوب معا. وهي اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة لا رفاهية. فالعالم يتغير، والأنظمة تتطور، والمؤسسات لا تنجو بالإدارة وحدها، بل تنهض حين يُشعل قائد رؤيتها الأولى، ويحمي شغفها الأخير.
0 تعليق