نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تفاصيل سعودية صغيرة, اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025 09:44 صباحاً
هل فكرت يوما أن تكتب كتابا أو مقالا يُقرأ بعد خمسين عاما؟ هل تساءلت: هل يمكنني أن أستهدف جمهورا لم يولد بعد؟ هل فكرت أن تمنح جيلا لم يُبصر النور بعد فرصة الاطلاع على حياتنا اليوم، بكل تفاصيلها الصغيرة التي لا تسجلها الكتب عادة ولا تحفظها الذاكرة العامة؟
إن للأجيال القادمة حقا في أن تعرفنا، أن تقرأ عنا، لا كما نكتب عن أنفسنا اليوم، بل كما كنا بالفعل. ليس كما أراد الإعلام أو شبكات التواصل أن تصورنا، بل كما كنا نعيش ونتنفس ونحلم ونتناقش ونفرح ونخاف.
إننا نعرف كثيرا عن تفاصيل العصر العباسي الأول؛ نعرف ماذا كانوا يلبسون، كيف يتزوجون، كيف يتسامرون، كيف يفكرون، ونطالع نوادرهم ونفائسهم، لا لأنهم وحدهم عاشوا، بل لأن أقلاما خالدة كتبت عنهم. لم تكن تلك الأقلام تكتب للتسلية، بل كانت تشعر بالمسؤولية الحضارية تجاه المستقبل. كانت تشعر أن للأجيال القادمة حقا في أن تعرف. نعرف عن عصر سبقنا بألف عام أو يزيد!
الجاحظ - رحمه الله - ليس فقط أديبا موسوعيا، بل مؤرخ اجتماعي من الطراز الأول. وصف الناس في عصره بدقة متناهية؛ وصف بخيلهم وذكيهم، غبيهم وفقيههم، أسواقهم وأزياءهم، مشاغلهم ونواديهم، والنتيجة أننا اليوم نرى بعين الجاحظ ما لم نرَه بأعيننا. لكن، تأمل كم فقدنا من تفاصيل مئة سنة مضت فقط! لماذا نعرف عن العباسيين أكثر مما نعرف عن أجدادنا في أوائل القرن العشرين؟ السبب ببساطة: لأن من عاشوا ذلك الزمن، وكانوا قادرين على الكتابة، امتنعوا أو تقاعسوا. والنتيجة: فجوات معرفية يصعب ترميمها.
لقد تغيرت حياتنا السعودية خلال العقود القليلة الماضية تغيرا جذريا. تغيرت مفاهيم الزواج، وتبدلت أنماط اللباس، وتنوعت الوظائف، وظهرت مفاهيم جديدة في العلاقات الاجتماعية والتواصل، بل حتى في طقوس الحياة اليومية مثل الزيارات، والضيافة، والاحتفالات، والمناسبات. تغيرت الذائقة، ونضجت الأحلام، وارتفعت سقوف التوقعات والطموحات.
دخلت التكنولوجيا كل بيت، بل كل جيب، وأصبحت الهواتف الذكية مرايا لحياتنا وأرشيفا لأحاديثنا، لكنها مرايا مؤقتة، لا تعيش طويلا، ولا تحكي كل شيء. ومع ذلك، فإن أكثر هذه التغيرات لم تُكتب بعد! لم تُدون في كتب ولا مقالات، ولم تُرصد بأسلوب علمي أو أدبي. وهذا ما يجعلنا في خطر دائم من فقدان الذاكرة الجمعية.
إن الكتابة عن الحياة اليومية ليست ترفا فكريا، بل هي مسؤولية ثقافية وتاريخية.
إنها شهادة توثيق، ووسيلة بقاء، وصوت يمر عبر الزمن ليقول للأجيال القادمة «كنا هنا، وهذا ما كنا عليه».
ليست الحاجة إلى الكتابة محصورة في المقالات العلمية أو الدراسات الأكاديمية، بل تشمل الشعر والقصة والرواية واليوميات والمذكرات والرسائل والخطابات والمقالات، كل هذه الأشكال حين تكتب بتجرد ووعي أو حين يكتب عنها بوعي أيضا، تصبح وثائق إنسانية وتاريخية ذات قيمة عظيمة.
لن يكون القارئ المستقبلي بحاجة إلى معرفة أسماء الوزراء أو رؤساء الشركات فقط، بل سيكون متشوقا لمعرفة كيف كنا نحيا كأفراد: ماذا كنا نأكل في وجبة الفطور؟ كيف كنا نحتفل بالزواج والنجاح والتقاعد؟ ماذا كنا نلبس؟ وما هي الكلمات التي كنا نستخدمها؟ ما الذي كنا نخشاه؟ وماذا كنا نأمل؟
هذه التفاصيل هي التي تصنع صورة الحياة. هي التي تحول التاريخ من أرقام وأسماء إلى تجربة بشرية حية.
علينا أن ندون، لا لنجامل الواقع، بل لنصفه كما هو. علينا أن نكتب عن القرى كما عن المدن، عن البيوت الصغيرة كما عن ناطحات السحاب، عن البسطاء كما عن المؤثرين. إن المملكة العربية السعودية تمر بمرحلة تحول اجتماعي وثقافي هائل. هذا التحول لا يجب أن يكون خبرا عابرا، بل سجل كامل يوثق هذه المرحلة للأجيال القادمة.
Halemalbaarrak@
0 تعليق