نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
متلازمة كودوكوشي وغياب منهجية كايزن, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 04:22 صباحاً
تبلغ المجتمعات المتقدمة ذروتها في التطور التقني والصناعي، إلا أنها قد تخفق في تلبية أبسط الاحتياجات الإنسانية مثل الدفء الأسري، والتواصل البشري، والشعور بالانتماء.
في اليابان، البلد الذي يعتبر نموذجا عالميا في النظام والتكنولوجيا وجودة الحياة، ومصدر منهجية التحسين المستمر «كايزن» إلا أن لديهم متلازمة مع كبار السن تعرف باسم كودوكوشي Kodokushi، وتعني «الموت وحيدا». وهي وفاة أشخاص، غالبيتهم من المتقدمين في العمر، وبعد مرور أيام وربما أسابيع يتم التبليغ بانبعاث روائح كريهة من مواقع إقامتهم وسكنهم؛ هذه المفارقة بين التقدم المادي والتقني والفقر العاطفي والاجتماعي تدفعنا للوقف والتأمل.
ظهر المصطلح لأول مرة في اليابان بستينيات القرن الماضي، لكنه أصبح اليوم ظاهرة بسبب عدة عوامل، منها ارتفاع نسبة كبار السن بواقع 30% من السكان فوق 65 عاما، وانتقال أفراد الأسرة الواحدة إلى المدن الصناعية بسبب غلاء المعيشة؛ وأيضا الثقافة اليابانية التي تميل إلى عدم إزعاج الآخرين، الأمر الذي أدى لعزلة مستمرة ساهمت في اتساع فجوة التواصل الاجتماعي، بين كبار السن ومن هاجروا بحثا عن الأعمال أو الدراسة، مما أدى لذلك الانفصال الاجتماعي.
تذكر تقارير الشرطة والشركات المتخصصة في التنظيف والتعقيم لمنازل المتوفين بعد اكتشاف جثثهم المتحللة أن هنالك الآلاف سنويا من هذه الحالات يتم تسجيلها في صورة حزينة لشيخوخة بلا سند، وحياة تنتهي بصمت في مجتمع سريع لكنه منغلق، ناجح لكنه منفصل، متقدم تقنيا لكنه متأخر وجدانيا.
برأيي، إن جذور المشكلة تكمن في فكرة الفردانية والاستقلالية المتصاعدة التي تقلل من فرصة الارتباط، والزواج الذي يمثل معياري المودة والرحمة، كما أن الاعتماد على الخدمات الرقمية بدل العلاقات الإنسانية عامل يساعد على تفشي الظاهرة وفي المقابل لا يوجد أي تحسين مستمر متنام أو علامة تطور مشاعري في المجتمع الياباني، مقابل ما تشهده المجتمعات الإنسانية الرحيمة التي وضعت أطرا واضحة تكرم كبار السن وتعزز من رعايتهم وتفقد أحوالهم والإحسان إليهم، وتقوي من صلة الأرحام بين الإخوان والأخوات والأقارب والجيران، واحتسابه تقدما أخلاقيا ملزما وأمرا ربانيا واجبا.
مجتمعاتنا العربية والإسلامية بفضل الله تعالى باختلاف أنماطها وثقافاتها، ترى بأن الجد والجدة وكبار العائلة يمثلون نسيج الأسرة الممتدة، ذات الخبرة والمصدر للحنان ورابط الأمان في خضم الماديات وانشطار المجتمعات شرقا وغربا.
هنالك دراسات نفسية واجتماعية حديثة عربية وأجنبية أظهرت أن التواصل الأسري والاجتماعي يقلل من خطورة الاكتئاب لدى كبار السن، ويساعد في تعزيز صحتهم الجسدية والنفسية والمزاجية، ويشعرهم بالانتماء ويمنحهم دافعا للاستمرار والطمأنينة، بعكس ما يعانونه أصحاب متلازمة كودوكوشي.
هذه المتلازمة ليست مجرد مشكلة اجتماعية في اليابان، بل إنذار عالمي يكشف عن الخطر القادم لمن يفضلون العزلة والمناداة بالعيشة الهادئة البعيدة عن المسؤولية والانزعاج بحجة راحة البال والتأمل وجمع المال، ومع الوقت يفقدون الروابط التي تمنح المعنى الحقيقي للحياة.
فالاهتمام بكبار السن ليس واجبا إنسانيا فحسب، بل مؤشر حضاري يدل على مدى تقدم المجتمعات وقدرتها على بناء حياة متوازنة تتسابق فيها القيمة قبل التقنية.
Yos123Omar@

















0 تعليق