قال البطريرك برثلماوس الأول، بطريرك القسطنطينية المسكوني، الفضاء المقدس ليس متحفًا للجمال ولا نافذة جامدة على الماضي، بل دعوة أخلاقية وروحية لعيش الإيمان داخل العالم، مشددًا على أن القداسة الحقيقية لا تنفصل عن العدالة والرحمة والمسؤولية الأخلاقية تجاه الإنسان والمجتمع.
وأضاف خلال المشاورة الأكاديمية الدولية الثانية عشرة بين اليهودية والمسيحية الأرثوذكسية، التي عقدت بجنيف بتنظيم من البطريركية المسكونية واللجنة اليهودية الدولية للتشاور بين الأديان (IJCIC)، بأن التجربة الجسدية داخل الكنيسة، من بنائها المعماري إلى أوضاع الصلاة، تذكّر بأن العبادة ليست انسحابًا من الواقع، بل تحولًا من أجل العالم، لافتًا إلى وجود تقاطع عميق مع التقليد اليهودي في الربط بين قدسية المكان والمسؤولية الأخلاقية.
وأشار البطريرك المسكوني إلي أن القداسة الأصيلة، في نظر الله، لا بد أن تُعبَّر عنها من خلال العدل والرحمة»، معتبرًا أن الحوار بين الأديان يمثل مساحة مقدسة مشتركة تُبنى على التعلم والثقة والرجاء.
حوار يمتد لنحو نصف قرن
وانعقدت المشاورة هذا العام تحت عنوان “قدسية المكان – قدسية الفضاء”، برئاسة مشتركة لكل من المتروبوليت إيمانويل مطران خلقيدونية والحاخام مارك دراتش رئيس اللجنة اليهودية الدولية، في إطار حوار ديني وفكري متواصل منذ ما يقرب من خمسين عامًا بين اليهودية والمسيحية الأرثوذكسية.
إشادة بمسيرة الحوار والعلاقات الإنسانية
وفي سياق متصل أشاد الحاخام مارك دراتش بما وصفه بـ"الشجاعة والرؤية" التي حافظت على استمرارية الحوار اليهودي–الأرثوذكسي، مؤكدًا أن اللقاءات المتعاقبة حوّلت الالتزام المؤسسي إلى علاقات إنسانية حقيقية وصداقة متبادلة.
تكريم رواد التقارب بين الديانتين
كما قدّم المتروبوليت إيمانويل عرضًا توثيقيًا احتفاءً بمرور خمسين عامًا على العلاقات اليهودية–الأرثوذكسية، تكريمًا لعدد من الشخصيات التي لعبت دورًا محوريًا في إطلاق هذا المسار الحواري، مؤكدًا أن جنيف تمثل نقطة التقاء بين التاريخ والتأمل اللاهوتي.
جلسات فكرية وقضايا معاصرة
وتضمنت الجلسات مناقشة عدد من القضايا المتنوعة، من بينها: ماهية قدسية المكان، وكيفية الحديث عن الآخر دينيًا، وعلاقة الفضاء بالهوية والسلطة، إضافة إلى تحديات الفضاء الافتراضي وتأثير الثقافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي على الحياة الدينية.
زيارات ميدانية ومشاركة دولية واسعة
وتضمن البرنامج زيارات إلى كنيس بيت يعقوب التاريخي في جنيف، والمركز الأرثوذكسي التابع للبطريركية المسكونية في شامبيزيه، بمشاركة ممثلين رفيعي المستوى عن عدد من البطريركيات والكنائس الأرثوذكسية حول العالم، إلى جانب مراقب من الكرسي الرسولي بالفاتيكان.
ختام بروح التعاون
واختُتمت أعمال المشاورة بالتأكيد على مواصلة الجهود الرامية إلى تعميق العلاقات بين اليهود والمسيحيين الأرثوذكس عالميًا، في ظل روح من الاحترام المتبادل والتعاون المشترك، بما يسهم في تعزيز قيم السلام والحوار بين أتباع الديانات.













0 تعليق