الرواشين.. ذاكرة معمارية لا تغلق

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرواشين.. ذاكرة معمارية لا تغلق, اليوم الأربعاء 16 يوليو 2025 03:01 مساءً

ليست كل النوافذ متشابهة، فبعضها لا يُطل على الممر فحسب، بل يفتح أبواباً للذاكرة والفن والهوية. من قلب المدن الواقعة على ساحل البحر الأحمر في المملكة، مثل جدة ومكة والطائف والوجه، خرجت "الرواشين" كواحدة من أجمل منتجات الحِرف الخشبية التي امتزجت فيها فنون العمارة بمهارة صناعة تلك النوافذ الخشبية البارزة التي زينت واجهات البيوت القديمة، وكانت بمثابة تحفٍ فنية تتحدث بلسان الخشب وتتنفس من بين فراغاته الحياة.

الرواشين هي تلك النوافذ المصنوعة من الخشب المحفور، تُركّب خارج المباني وتكون بارزةً إلى الأمام، ومزودة بفتحات دقيقة تتيح لأصحاب المنزل التهوية والإضاءة دون التنازل عن الخصوصية. وقد صُمّمت هذه النوافذ بذائقة محلية مكتسبة من مدن الساحل الغربي للمملكة، مما جعلها عنصراً بصرياً يرتبط بالهوية الثقافية والبيئية للمنطقة.

تصنيع الروشان يتطلب مهارة دقيقة تبدأ باختيار الخشب المناسب مثل الساج أو التيك، ثم يُنحت ويُشكَّل على هيئة وحدات زخرفية متكررة، يتم تجميعها على هيئة نافذة كاملة مزودة بأجنحة أو أبواب تُفتح وتُغلق. وكانت بعض الرواشين تُلوَّن باللون الأخضر الداكن أو الأزرق أو البني المحروق، وتُزيَّن بإضافات مثل الزجاج الملون أو المعدن، لتصبح نافذةً تنقل الضوء والجمال أيضاً.

تاريخياً، ارتبطت الرواشين بمكانة الأسرة الاجتماعية وجماليات الحي، وكانت مظهراً من مظاهر الترف والبذخ في المنازل الكبرى، لكنها مع تحوّلات الزمن وتغيّر أنماط البناء بدأت تختفي تدريجياً، وتراجعت الحرفة التي تنتجها بسبب قلة من يتقنها، وارتفاع تكلفتها مقارنة بالنوافذ الجاهزة الحديثة.

لكن في عام الحرف اليدوية 2025، الذي أطلقته وزارة الثقافة، أُعيد الاعتبار لهذه الحرفة العريقة. فقد شهدت الرواشين عودة قوية عبر المعارض والورش التي سلطت الضوء على فنون النجارة التراثية، وتبنّت نماذج حديثة تستوحي الشكل التقليدي وتدمجه في مشاريع معمارية معاصرة. كما نُفّذت برامج لتدريب الشباب على تقنيات صناعة الرواشين، وشجعت المبادرةُ المؤسساتِ السياحية والثقافية على إعادة توظيفها في مبانيها الجديدة.

لم تعد الرواشين مجرد نوافذ خشبية قديمة، بل تحولت إلى رمزٍ ثقافيٍ يروي حكاية المدن، وصوتِ فنٍّ لا يزال ينبض داخل الخشب. إنها ذاكرة معمارية لا تُغلق، حيث تُطِلّ من درفها الصغيرة على تاريخٍ يحكي للأجيال قصصَ خشبٍ تحول بأيدي الآباء والأجداد إلى فنٍّ عريق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق