عنب بلدي – أمير حقوق
تشهد الساحة الدرامية السورية عودة بارزة لعدد من الفنانين الذين غابوا عنها لسنوات طويلة، بسبب مواقفهم السياسية المعارضة للنظام السابق، في خطوة تعيد الزخم إلى الإنتاجات المحلية، ولا سيما من قبل فنانين عُرفوا بمواقفهم المعارضة، هؤلاء النجوم يستعدون للظهور مجددًا عبر أعمال الموسم الرمضاني 2026، في عودة تحمل دلالات فنية واسعة.
ومن أبرز الأسماء التي انضمت لتلك الأعمال: يارا صبري، جهاد عبده، فارس الحلو، سلافة عويشق، محمد أوسو، نوار بلبل، مكسيم خليل، جمال سليمان، عبد الحكيم قطيفان.
هذه العودة، التي تأخرت كثيرًا بفعل الظروف السياسية والأمنية التي مرت بها سوريا، تحمل أبعادًا فنية وثقافية تتجاوز مجرد الظهور على الشاشة، فغيابهم ترك فراغًا في المشهد الدرامي.
وكان يفترض أن تتحقق عودة هؤلاء الفنانين منذ وقت طويل، إلا أن الأوضاع السياسية والأمنية التي شهدتها سوريا صعّبت وجودهم في الدراما السورية، باستثناء حالات محدودة خارج سوريا، وفق ما قاله الناقد الفني جوان الملا.
وأكد الناقد، في حديث إلى عنب بلدي، أن عودة الفنانين المعارضين تُعد اليوم مهمة جدًا لأسباب أساسية، أبرزها إحداث نوع من تجديد الدماء في الدراما، من خلال عودة وجوه مميزة اشتاق إليها الجمهور بعد غياب طويل.
أما الصحفي والناقد الفني شارل عبد العزيز، فيربط عودة الفنانين السوريين المعارضين إلى الدراما بالسياق السياسي الذي دفعهم إلى مغادرة سوريا، موضحًا أن مواقفهم الإنسانية منذ بدايات الثورة جعلت استمرار عملهم داخل سوريا أمرًا مستحيلًا، ما انعكس سلبًا على مسيرتهم المهنية، خصوصًا في مجال الدراما بوصفه عملًا جماعيًا لا يمكن إنتاجه فرديًا.
وأشار إلى أن بعض الفنانين اضطروا لترك المهنة أو التحول إلى مجالات أخرى، في حين بقيت محاولات إنتاج الدراما خارج سوريا محدودة وضعيفة.
ويرفض عبد العزيز منح الفنانين المعارضين أدوارًا أو مناصب تكريمًا لمواقفهم، معتبرًا أن الموقف السياسي واجب إنساني لا علاقة له بالموهبة.
“الموهبة لا تُقاس بالموقف السياسي”، بحسب تعبير عبد العزيز، مشددًا على أن النجومية والاستحقاق الفني يجب أن يُبنيا على الأرشيف والخبرة والقدرة الفنية، وفي هذا السياق، يرى أن عودة فنانين مثل يارا صبري وفارس الحلو تأتي لكونهم أسماء كبيرة تمتلك تاريخًا فنيًا راسخًا، حُرمت من العمل في بلدها بفعل الظروف السياسية، لتعود اليوم إلى مكانها الطبيعي دون تراجع فني.
تحول أم إغناء؟
مع ابتعاد ما كان يسمى آنذاك “فنانو المعارضة”، عانت الأعمال الدرامية من تكرار الأسماء والوجوه نفسها، ما انعكس على تنوع الأداء وثراء التجربة الفنية، واليوم، تأتي عودتهم لتعيد التوازن إلى الساحة، ما يراه البعض أنها تمثل تحولًا حقيقيًا في المشهد الفني.
وهنا يرى الصحفي والناقد الفني شارل عبد العزيز، أن كلمة “تحول” كبيرة، مفضلًا وصفها بأنها قد تسهم في إغناء المشهد، بشرط توفر بنية صناعة حقيقية، وفتح السوق، وفصل السياسة عن الفن، وتخفيف القبضة الرقابية والنقابية التي عطلت الإبداع لسنوات.
الجمهور بات متعبًا من تكرار الوجوه ذاتها التي فُرضت بفعل “الشللية” والتدخلات السياسية، قال عبد العزيز، معتقدًا أن عودة الأسماء المغيبة ستعيد التنوع وتكسر النمطية.
عودة بعض الفنانين السوريين للدراما تسهم في إغناء المشهد، بشرط توفر بنية صناعة حقيقية، وفتح السوق، وفصل السياسة عن الفن، وتخفيف القبضة الرقابية والنقابية.
شارل عبد العزيز
صحفي وناقد فني
أما الناقد جوان الملا، فيرى أن عودة هؤلاء الفنانين للدراما بالفعل تشكل تحولًا مهمًا، نظرًا إلى غياب وجوه متمرسة كان لها تأثير كبير في وجدان المشاهدين على مدار سنوات طويلة، مضيفًا أن الأعمال التي قدمها هؤلاء الفنانون خارج سوريا، لم تكن كافية لإحداث الأثر نفسه الذي اعتاده الجمهور سابقًا.
ويشدد الملا على أن العمل داخل سوريا يرضي الجمهور والفنانين معًا، ويخلق منافسة أعلى، ما يشجع على زيادة المتابعة، لافتًا إلى أن هذا التأثير سيكون تراكميًا، ولن يظهر بين يوم وليلة، إذ ستتضح نتائجه بعد عرض الأعمال.
في المقابل، المطلوب من هؤلاء الفنانين هو تقديم أعمال حقيقية، مع الحفاظ على أدواتهم الفنية التي عُرفوا بها، والقدرة على إعادة التواصل مع الجمهور دون تكلف أو استهتار، بحسب الملا.
استعادة جزء من الهوية الفنية السورية
على مستوى الهوية، تمثل هذه العودة استعادة لجزء أساسي من روح الدراما السورية التي افتقدها المتابعون في السنوات الماضية، فهؤلاء الفنانون لم يكونوا مجرد ممثلين، بل شركاء في صياغة الذاكرة البصرية والوجدانية للسوريين، وأسهموا في تقديم أعمال شكّلت علامات فارقة في تاريخ التلفزيون العربي، وربما حضورهم اليوم يعيد وصل ما انقطع بين الماضي والحاضر.
الناقد جوان الملا، يرى أن العودة ليست مهمة سهلة، لكنها ضرورية، لأن هؤلاء الفنانين جزء أساسي من الهوية السورية، موضحًا أن الدراما السورية كانت تفتقد هذه الهوية في السنوات الماضية، لكنها اليوم تستعيد قسمًا منها مع عودة أسماء لعبت أدوارًا محورية في تاريخها، مثل يارا صبري وجمال سليمان وفارس الحلو وغيرهم.
ويختم الملا بالقول، إن هذه العودة ستعيد ذكريات جميلة إلى قلوب السوريين على وجه الخصوص، إذ تمثل لهم أكثر مما تمثل للجمهور العربي بشكل عام، مؤكدًا أن نجاح هذه العودة يبقى مرهونًا بالمشاهدة وبطبيعة القصص المقدمة، وبكيفية ظهور الفنانين بعد سنوات طويلة من الغياب.
أما الناقد شارل عبد العزيز، فيعتقد أن عودة أسماء فنية ارتبطت بذاكرة الجمهور السوري، منها محمد أوسو، مثلًا، تحمل بعدًا وجدانيًا كبيرًا لدى السوريين، نظرًا إلى ارتباطهم بمرحلة ذهبية من الدراما السورية، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن هذه العودة تمثل “سيفًا ذا حدين”، إذ إن سقف التوقعات مرتفع، والفشل غير مسموح، ما يستدعي دقة كبيرة في اختيار المشاريع المقدمة.
ويؤكد أن الدراما السورية تراجعت بشكل ملحوظ خلال سنوات الثورة، نتيجة التشتت الجغرافي للفنانين والتدخل الأمني المباشر في الأعمال الفنية، وصولًا إلى منع عرض أعمال أو حذف مشاهد لفنانين بسبب مواقفهم، في ما وصفه بحالة “إلغاء” ممنهجة أثرت سلبًا على الإنتاج الفني.













0 تعليق