محليات
0

وزارة الخارجية القطرية
الدوحة - قنا
تتميز دبلوماسية دولة قطر بأنها تتبنى مبدأ حل النزاعات بالوسائل السلمية والحوار والوساطة والمساعي الحميدة كأولوية في سياستها الخارجية، وهو التزام دستوري لدولة قطر قل نظيره في دول العالم، إذ تنص المادة السابعة من الدستور الدائم الصادر في عام 2003م، بأن تكون السياسة الخارجية القطرية قائمة على مبدأ تعزيز الأمن والسلم الدوليين من خلال التشجيع على فض المنازعات بالطرق السلمية، والذي أصبح ركنا أساسيا من أركان السياسة الخارجية لدولة قطر.
ومن هنا، باتت دولة قطر خلال العقدين الأخيرين موطناً لنقاش أعقد ملفات الصراع الدولي والإقليمي شرقاً وغرباً، ما خولها التمتع بسمعة عالمية كوسيط محايد وموثوق يتم دعوته من قبل الأطراف المتنازعة نتيجة تلك السمعة الطيبة والنتائج المتوخاة والمثمرة، وهي بالتالي ترحب بالقيام بتلك الأدوار من الدبلوماسية الوقائية والوساطة على مستوى الدول وما بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، في حال موافقة جميع الأطراف المتنازعة على قيامها بذلك الدور الذي طالما عرف بحسن الإدارة وإرضاء جميع الأطراف وفقاً للقوانين الدولية المرعية بهذا الخصوص.
وقد عملت وزارة الخارجية القطرية، على تفعيل تلك الأدوات الدبلوماسية بشكل هيكلي ضمن أقسامها، ففي عام 2023، عينت أدواراً وزارية جديدة في وزارة الخارجية بهدف إبراز أهمية هذه الملفات على المستويين السياسي والدبلوماسي، وعززت من جهود الفرق المعنية على مستوى كبار المسؤولين والدبلوماسيين والفنيين بمجال الوساطة، كما عملت على تعميق التعاون المؤسسي وتأطير شراكتها وتوسيع خبراتها من خلال التوقيع على عدد من مذكرات تفاهم في مجال السلام والمصالحة وحل النزاعات، مع كل من مملكتي السويد والنرويج، وجمهورية فنلندا.
وبحسب توصيف وزارة الخارجية القطرية فإن وساطاتها تهدف إلى: 1-وقف إطلاق النار، 2-استعادة العلاقات الدبلوماسية، 3-الإفراج عن الرهائن، وتبادل الأسرى، 4-دعم الحوارات الوطنية، 5-إنهاء النزاعات الحدودية، 6-تعزيز الجهود الإنسانية، 7-التوصل إلى اتفاقيات السلام في العديد من الصراعات على المستويين الإقليمي والدولي، ويشمل ذلك فتح قنوات للتواصل مع الجهات والفاعلين ما دون الدولة، بالإضافة إلى إنشاء قنوات مع الفئات الأقلية أو المهمشة مثل النازحين والنساء.
وحول هذا الدور، قال الدكتور لقاء العزاوي الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات في حديثه لوكالة الأنباء القطرية، إن العنصر الأساس الذي ميز دولة قطر كوسيط في حل النزاعات، هو تجردها من المصالح الجيوسياسية في القضايا محل النزاع، حيث وفر ذلك قدرا كبيراً من الحيادية والقدرة على كسب ثقة الأطراف المتنازعة، مشيراً إلى أن هذا الأمر يصعب توافره في قوى كثيرة تسعى أيضا لأدوار الوسيط، منها دول كبيرة ومؤثرة إقليميا أوعالميا، ففي النهاية لا يعتمد نجاح الوساطة على قوة الوسيط بل على ما يوفره من الشفافية والثقة، وما يوفره من فرص تقديم مقترحات التسوية دون افتراضات مسبقة من أي طرف بوجود مصالح خاصة أو انحياز لطرف دون آخر.
وأضاف الدكتور العزاوي لـ/قنا/ أن سمعة دولة قطر كطرف دائم المشاركة في المهام الإنسانية وتقديم المساعدات للشعوب المتضررة والمنكوبة، أتاح تأسيس أرضية من التقدير عبر تقديم مبادرات كبيرة على مستوى التعليم والتنمية في مناطق مختلفة من العالم الثالث بشكل خاص، وهو ما منح قطر فرصا أكبر لممارسة دور الوسيط بكفاءة، بالتوازي مع علاقاتها المسبقة مع أطراف محل جدل دولي، استطاعت بفضلها تحويل جهودها في لحظة مفصلية إلى طرف أساسي وحاسم في ممارسة دور الوسيط ونجاحه.
ومنذ العام 2004م شهدنا تصاعدا في جهود دولة قطر في مجال الوساطة والمساعي الحميدة، وقد تجلت فاعلية هذه الوساطات في مناطق عدة من بينها فلسطين، وأفغانستان، ولبنان، والسودان، وتشاد، وأوكرانيا، وشمل مناطق جديدة في العام 2025، ما يؤكد اتساع نطاق الدور القطري وقدرته المتزايدة على المساهمة البناءة في تحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
وفي هذا الشأن، يقول الدكتور علي باكير أستاذ الشؤون الدولية والأمن والدفاع في جامعة قطر في حديثه لوكالة الأنباء القطرية، إن الوساطة أصبحت علامة خاصة بالسياسة الخارجية القطرية، وهي بهذا المعنى جزء أساسي من هوية السياسة القطرية التي تشكّلت خلال العقود الماضية لتتحوّل من مجرّد أداة موسميّة لحل النزاعات إلى واجب دستوري راسخ ينبع من قناعة قطر الثابتة بضرورة تسوية النزاعات بالطرق السلمية، مما يوفر ركيزة أخلاقية وقانونية لسياستها الخارجية، ويمنح الدوحة المرونة اللازمة للتحرك بفاعلية وديمومة في المشهد الجيوسياسي المعقد إقليمياً ودولياً حيث غالباً ما تتعثر الدبلوماسية التقليدية.
وأكد باكير، خلال حديثه لـ/قنا/، أن نجاح دولة قطر في الوساطة وتسوية النزاعات يرتكز بشكل جوهري على قدرتها الفريدة على التواصل مع مختلف الفرقاء في ظل الانقسامات العميقة والاستقطابات الحادة، وعلى الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع كافة الأطراف، حيث تلعب غالباً دور صلة الوصل الوحيدة بين الخصوم، وعلى بناء جسور الثقة بشكل يرسّخ سمعتها كوسيط نزيه وموضوعي، وقد تعززت هذه المصداقية بفضل خبرة دبلوماسية طويلة، وسجل حافل بالإنجازات الملموسة، مشيراً إلى أن هذا التضافر بين الالتزام الدستوري والخبرة المتراكمة والفعالية الدبلوماسية هي ما يمكّن قطر من نزع فتيل الأزمات وتعزيز الاستقرار على الساحة الدولية.
وفي العام 2025، واصلت دولة قطر مساعيها الحميدة في واحدة من أكثر الملفات تشابكا على المستويات السياسية والدبلوماسية والإنسانية، ألا وهي الحرب المدمرة على قطاع غزة، فخلال عامين من القصف الوحشي تحملت قطر عبئا كبيرا في محاولة الوصول إلى اتفاق يفضي لتخفيف الآلام وتضميد الجروح الغائرة للآلاف من الفلسطينيين رغم التعنت الإسرائيلي والتخاذل الدولي.
وفي ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، قامت دولة قطر بدور محوري بالتعاون مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أفضى ذلك إلى التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في 19 يناير 2025، تضمن تبادل الأسرى وتيسير دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المناطق المتضررة داخل القطاع، لكن إسرائيل خرقت الاتفاق واستأنفت العدوان في مارس 2025، ورغم ذلك واصلت قطر جهودها الدبلوماسية الحثيثة، بالتنسيق مع شركائها، لاستعادة مسار التهدئة والتوصل إلى وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
وفي خضم هذه الجهود، تعرضت دولة قطر لاعتداء غير مسبوق، تمثل في هجوم إسرائيلي غادر في 9 سبتمبر 2025، استهدف مباني سكنية لعائلات القيادة السياسية لحركة حماس ووفدها المفاوض، وقد قوبل هذا الهجوم بإدانة دولية واسعة وتضامن واضح مع دولة قطر، دعما لسيادتها، وحقوقها، واحتراما لدورها الدبلوماسي، بعيدا عن أي تهديد.
وفي الـ 9 من أكتوبر 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب توقيع إسرائيل وحركة حماس على المرحلة الأولى من خطته للسلام في قطاع غزة، بما فيه إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، كما أن إسرائيل ستسحب قواتها إلى خط متفق عليه كخطوات أولى نحو تحقيق سلام قوي ودائم، ووجه الرئيس ترامب في منشور على منصة تروث سوشيال الشكر إلى الوسطاء من قطر ومصر وتركيا.
ورغم هذا الانشغال بملف غزة وتعقيداتها، لم تتراجع دولة قطر عن دورها الموثوق والفاعل في مجال الوساطة الدولية، فقد أعلنت وزارة الخارجية القطرية يوم الـ 19 من سبتمبر 2025، تيسير الإفراج عن مواطنين بريطانيين كانا محتجزين في أفغانستان، مما يعكس التزام قطر الثابت بالعمل الدبلوماسي، حتى في أصعب الظروف.
وفي هذا الإطار، سبق أن سجلت الوساطة القطرية اختراقا مهما على الصعيد الإنساني في النزاع الأوكراني-الروسي، حيث أعلنت دولة قطر في الـ 22 من أغسطس 2025 عن نجاحها في لم شمل 4 أطفال مع أقاربهم في أوكرانيا، وعودة 3 أطفال إلى ذويهم في روسيا، ليصل العدد الإجمالي للأطفال الذين تم لم شملهم مع أسرهم منذ بدء الوساطة إلى 107 أطفال.
وفي جهودها الدبلوماسية في القارة الإفريقية، استضافت الدوحة في الـ 15 من نوفمبر 2025 مراسم توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتحالف نهر الكونغو "حركة 23 مارس"، ويعد الوثيقة المرجعية الأساسية لعملية السلام الأوسع، استنادا إلى زخم "إعلان مبادئ الدوحة" الموقع في 19 يوليو 2025.
وكانت الدوحة قد استضافت بتاريخ 19 يوليو 2025 مراسم توقيع إعلان مبادئ بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو /حركة 23 مارس، تتويجا لجهود دبلوماسية قطرية هدفت إلى خلق بيئة مواتية لسلام دائم في إقليم شرق الكونغو.
وقد سبق هذا الاتفاق لقاء ثلاثيا استضافته الدوحة بتاريخ 18 مارس 2025 في قصر لوسيل، بين حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وفخامة الرئيس بول كاغامي، رئيس جمهورية رواندا، وفخامة الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي شكل نقطة هامة للحوار المباشر وبناء الثقة بين الجانبين.
وبشأن الخلاف الحدودي بين باكستان وأفغانستان، تدخلت دولة قطر لتلعب دور الوسيط، بعد أعنف اشتباكات على الحدود بين البلدين منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في كابول عام 2021، عبر مراحل مختلفة منذ الـ 17 من أكتوبر الماضي، تضمنت استضافة وفدين رفيعي المستوى من كابل وإسلام آباد، وإعلان وقف فوري لإطلاق النار وهدنة بين الطرفين.
وفي الـ 19 من أكتوبر، قالت وزارة الخارجية القطرية إن باكستان وأفغانستان اتفقتا خلال جولة المفاوضات التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة على وقف فوري لإطلاق النار، وعلى عقد اجتماعات متابعة لضمان استدامة وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه، معربة أن تسهم هذه الخطوة في وضع حد للتوترات على الحدود بين البلدين الشقيقين، وأن تشكل هذه الخطوة أساسا متينا للسلام المستدام في المنطقة.
وفي أحدث الوساطات، وفي كولومبيا وهي مساحة تشهد لأول مرة تدخلا قطريا دبلوماسيا، أصدرت مجموعة الدول الوسيطة (دولة قطر، ومملكة النرويج، ومملكة إسبانيا، والاتحاد السويسري)، بيانا مشتركا، في الـ 5 من ديسمبر 2025، حول المفاوضات في الدوحة بين وفدي حكومة كولومبيا وجماعة EGC المعلنة ذاتيا، بشأن عملية نزع سلاح تلك الجماعة وبناء السلام في مناطقها.
ويؤكد البيان أن الطرفين قد اتخذا خطوات مهمة نحو السلام، وأتبعاه بالتوقيع على "اتفاق الدوحة لترسيخ الالتزام بالسلام" والذي يعكس التسوية والمسؤولية والالتزام بتخفيف الظروف القاسية على السكان المدنيين وإنهاء النزاع المسلح، ويمثل هذا الإعلان خطوة نحو نزع سلاح جماعة EGC المعلنة ذاتيا ومن ثم بناء السلام في المنطقة.
وإلى جانب وساطاتها التفاوضية النشطة، فإن دولة قطر تحرص على تعزيز تلك الجهود بمؤتمرات دولية متنوعة الطابع لتعزيز تلك الدبلوماسية ورفدها بمبادرات أخرى تصب في الإطار العام لصناعة السلام، من خلال استضافتها فعاليات ومنصات حوارية كبرى، مثل مؤتمر القمة العالمية الثاني للتنمية الاجتماعية، من 4-6 أكتوبر 2025، وكذلك "منتدى الدوحة"، بدورته الثالثة والعشرين، يومي 6 و7 ديسمبر 2025، تحت شعار: "ترسيخ العدالة: من الوعود إلى الواقع الملموس"، وكلاهما برعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، وبمشاركة قادة وخبراء من مختلف أنحاء العالم، بهدف استكشاف مسارات نحو أنظمة أكثر عدلا وشمولا ومساءلة للتعاون الدولي.
وأحد أبرز الأهداف من هذه الملتقيات هو توسيع مفاهيم الدبلوماسية والحوار والتنوع، بغية تبادل الأفكار والنقاشات التي تقود إلى صناعة السياسات ووضع توصيات عملية قابلة للتنفيذ لدرء مخاطر النزاعات وخفض مستويات التصعيد والصراعات التي تستنزف ثروات الدول وقدراتها المادية والبشرية.
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية














0 تعليق