قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، إن الوضع على الأرض في سوريا لا يزال هشًا، على الرغم من الانخفاض الملحوظ في مستويات العنف.
وأضافت في كلمة لها أمام مجلس الأمن الدولي، مساء الخميس 18 من كانون الأول، أن الأمم المتحدة تدين العنف إدانة قاطعة، بما في ذلك الأحداث في الساحل السوري والسويداء، فضلًا عن التوتر بين الجيش السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، معتبرة أنه في كثير من الحالات، غذّت خطابات الكراهية وحملات التضليل الصراع.
وحثت الحكومة السورية على أن تظل الشفافية عنصرًا أساسيًا في التحقيقات التي أطلقتها في هذه الحوادث، وأن تتم محاسبة الجناة، لافتة إلى استمرار ورود تقارير عن عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وعمليات اختطاف تستهدف مجتمعات محددة، بمن في ذلك أبناء الطائفة العلوية.
إن العمل على معالجة الماضي والمصالحة قد بدأ، بحسب تعبيرها، مشيرة إلى أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين عليها القيام به، وأن التشجيع والخبرة الدولية يمكن أن يكملا الجهود الوطنية لدعم السلام والعدالة والمساءلة.
اندلعت أحداث الساحل في 6 من آذار الماضي، عقب تحركات لبعض العناصر في جيش النظام السابق، استهدفت عناصر للأمن العام في ريف اللاذقية غربي سوريا، وخلّفت انتهاكات طالت مدنيين، أدت إلى مقتل المئات منهم، على خلفية انتماءات طائفية.
وبدأت أحداث السويداء، في 12 من تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، تطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات متبادلة.
تدخلت الحكومة السورية، في 14 من تموز، لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية.
وفي 16 من تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية، ما أعقبه انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، الأمر الذي أدى إلى إرسال أرتال عسكرية على شكل “فزعات عشائرية” نصرة لهم، وبعد ذلك، توصلت الحكومة السورية وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يقضي بوقف العمليات العسكرية.
إسرائيل تفاقم الوضع الأمني
قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، إن الغارات الجوية والتوغلات الإسرائيلية في جنوبي سوريا أدت إلى تفاقم الوضع الأمني، داعية إسرائيل إلى الامتناع عن انتهاك سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
وأضافت أن استئناف الحوار بين سوريا وإسرائيل بشأن الترتيبات الأمنية أمر “بالغ الأهمية”.
وتطرقت في كلمتها إلى استمرار التركيز المحلي والإقليمي والدولي على جهود مكافحة الإرهاب في سوريا، مع استمرار المخاوف بشأن وجود مقاتلين “إرهابيين أجانب” وعودة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأضافت أن انتشار الأسلحة التقليدية والتحديات المتعلقة بإدارة المخزونات تمثلان تحديًا أمنيًا إضافيًا، وأن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة “لا تزال تقتل وتشوه السوريين يوميًا”.
وأكدت ضرورة أن يصاحب الانتقال السياسي برنامج سوري لإصلاح القطاع الأمني ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
ضرورة المحاسبة
المسؤولة الأممية قالت إن التعافي الحقيقي لا يمكن أن يبدأ إلا من خلال محاسبة شاملة على الماضي، بما في ذلك معالجة مصير المفقودين، وضمان المساءلة عن الفظائع، ومواجهة أهوال الحرب دون أي مساومة.
الحوار الشامل بين جميع مكونات المجتمع السوري، والمصالحة الوطنية الحقيقية، ورفع العقوبات، والدعم الدولي المستمر، ستكون ضرورية لأمن سوريا والمنطقة، فضلًا عن استعادة ثقة المستثمرين ووضع الأساس لإعادة إعمار سوريا، بحسب تعبيرها.
ولفتت إلى إحراز تقدم خلال العام الماضي، حيث أعادت الحكومة السورية مؤسسات الدولة وبدأت في دمج الفصائل المسلحة تحت قيادة واحدة، فيما أصدرت إعلانًا دستوريًا، وشكلت حكومة جديدة، وأجريت انتخابات تشريعية غير مباشرة في تشرين الأول الماضي.
وأوضحت أن السوريين عادوا إلى ديارهم بأعداد كبيرة، بمن فيهم أكثر من مليون لاجئ وما يقرب من مليوني نازح داخليًا، وقد رفعت العديد من الدول العقوبات الثنائية المفروضة على سوريا، بما في ذلك إلغاء أمريكا قانون “قيصر”.
التركيز على خفض الاحتياجات
بدورها، قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جويس مسويا، إن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا سيعتمد على العديد من الإجراءات، ولكن من أهمها خفض مستوى الاحتياجات “في أزمة كانت تعد من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم”، فضلًا عن تقليص حجم العمليات الإنسانية في سوريا.
واعتبرت أنه لتحقيق خفض الاحتياجات بشكل نهائي، هناك ثلاثة متطلبات رئيسة من المجتمع الدولي:
- دبلوماسية فعالة لنزع فتيل التوترات، وحل بؤر الصراع القائمة، ومنع اندلاع اشتباكات جديدة التي تقوض الاستقرار.
- دعم الاستثمارات في التنمية التي تدعم “الخطوات الملحوظة” التي قطعتها سوريا في إعادة الاندماج مع المجتمع الدولي، وهو أمر بالغ الأهمية لتعافيها وإعادة إعمارها.
- دعم استدامة وتوسيع تدفق المساعدات الإنسانية على المدى القريب لتلبية الاحتياجات العالية المستمرة.
وأكدت أن الأمم المتحدة تمكنت من الوصول إلى 3.4 مليون شخص شهريًا، بزيادة قدرها 25% عن العام الماضي، على الرغم من انخفاض مستويات التمويل. ومع ذلك مع بلوغ تمويل النداء الإنساني لعام 2025 نسبة 30% فقط، “هناك ملايين أخرى من الناس لا نستطيع مساعدتهم”، بحسب قولها.
وتوقعت أن تظل الاحتياجات في سوريا “هائلة” في العام المقبل، مشددة على أنه دون عكس اتجاه انخفاض التمويل، ستزداد مهمة التعافي صعوبة.
16.5 مليون سوري بحاجة مساعدات
قال المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، إن حوالي 16.5 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، إضافة إلى نحو 2.5 مليون عائد من النازحين داخليًا واللاجئين العائدين من الخارج، كثير منهم فقدوا منازلهم نتيجة الحرب.
وخلال مؤتمر صحفي عُقد في 9 من أيلول الماضي، قبيل اختتام مهمته، استعرض عبد المولى عمل الأمم المتحدة في سوريا، مشيرًا إلى أن سوريا لا تزال تواجه أزمة نزوح واسعة، إذ يعيش أكثر من ستة ملايين شخص كنازحين داخل البلاد، بينما يتوزع أكثر من ستة ملايين آخرين كلاجئين في مختلف أنحاء العالم.
كما أصدرت منظمة الهلال الأزرق الدولية للإغاثة والتنمية (IBC) تقريرًا تناولت فيه ملامح الوضع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024، مشيرة إلى مزيج معقد من التحديات السياسية والاقتصادية والإنسانية والأمنية التي تواجه البلاد.
وسلّط التقرير الضوء على الانكماش الحاد للاقتصاد، واستمرار الأزمة الإنسانية، وتزايد الحاجة إلى المساعدات في مختلف القطاعات، إلى جانب عودة مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين، وسط مشهد متقلب يتسم بالهشاشة وعدم اليقين حول مستقبل سوريا.
وقالت المنظمة في تقريرها الذي نشرته في 8 من أيلول الماضي، إن الاقتصاد السوري انكمش إلى ما يُقدر بـ17.5 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بـ60 مليار دولار قبل عام 2011، بينما يحتاج حوالي 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، كما يعاني أكثر من 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
“التحقيق الدولية”: نوبات العنف المتكررة أدت إلى تقليص قدرة السلطات السورية








0 تعليق