اضطراب التعلم غير اللفظي.. ذكاء لغوي مرتفع وصعوبات لا تُرى

عنب بلدي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. أكرم خولاني

يعد اضطراب التعلم غير اللفظي أحد اضطرابات التعلم التي تؤثر في الأفراد بطرق متعددة تختلف من شخص إلى آخر، ويشمل أنماطًا متنوعة من العجز، ما يجعله من الحالات الأقل فهمًا وتشخيصًا. وغالبًا ما يؤدي هذا الغموض إلى سنوات من المعاناة لدى المصابين، قبل أن يدرك المحيطون بهم أن ما يواجهونه ليس سلوكًا متعمدًا أو ضعفًا عامًا، بل حالة عصبية قابلة للفهم والدعم.

ما المقصود باضطراب التعلم غير اللفظي؟

اضطراب التعلم غير اللفظي (Nonverbal Learning Disorder – NVLD)، ويُعرف أيضًا باضطراب التعلم اللاشفهي، هو حالة عصبية تظهر في مرحلة الطفولة وقد تستمر إلى مرحلة البلوغ.

يؤثر هذا الاضطراب في المهارات غير اللفظية، مثل القدرات البصرية-المكانية، والمهارات الاجتماعية، والتآزر الحركي، ويؤدي إلى صعوبة في فهم المعلومات غير اللفظية، كإشارات الجسد، وتعابير الوجه، ونبرة الصوت.

ولا يزال مدى انتشار هذا الاضطراب غير معروف بدقة، ويرجع ذلك إلى ضعف تشخيصه أو الخلط بينه وبين اضطرابات أخرى. ويصيب الذكور والإناث على حد سواء، وغالبًا ما يكون المصابون به من ذوي الذكاء المتوسط أو المرتفع، ولا سيما في الجانب اللفظي.

ما الأسباب؟

ينتج اضطراب التعلم غير اللفظي عن خلل في وظائف النصف الأيمن من الدماغ، المسؤول عن معالجة المعلومات البصرية والمكانية وغير اللفظية.

وتشير بعض الدراسات إلى أن الاضطراب قد يكون له مكوّن وراثي، إذ يُلاحظ انتشاره داخل بعض العائلات.

ما أعراض هذا الاضطراب؟

يصعب حصر أعراض اضطراب التعلم غير اللفظي بدقة، نظرًا إلى تعدد أشكال العجز التي تندرج تحته، وعدم ظهور الأعراض نفسها لدى جميع المصابين.

كما تختلف حدتها من شخص إلى آخر. ويمكن تقسيم أبرز هذه الأعراض بحسب الفئة العمرية:

عند الأطفال:

يظهر لدى الطفل المصاب تناقض واضح بين قدراته، إذ يتمتع عادة بذكاء لغوي مرتفع، وحصيلة لغوية واسعة، وقدرة جيدة على التعبير الشفهي والحفظ، مقابل صعوبات ملحوظة في الفهم القرائي والرياضيات المتقدمة، ولا سيما المسائل الكلامية.

ويعاني الطفل أيضًا من ضعف في إدراك الأنماط والاتجاهات، ومشكلات في إدارة الأموال، إضافة إلى ضعف التآزر الحركي الدقيق والإجمالي، ما ينعكس على مهارات الكتابة اليدوية، واستخدام الأدوات، وركوب الدراجة، والمشاركة في الأنشطة الرياضية.

اجتماعيًا، يواجه الأطفال المصابون صعوبات في فهم الإشارات غير اللفظية، مثل تعابير الوجه ولغة الجسد، ما يحدّ من اكتسابهم للمهارات الاجتماعية بشكل طبيعي. وقد يدفعهم اعتمادهم المفرط على الكلام إلى طرح أسئلة غير ضرورية أو مقاطعة الآخرين، وعدم فهم المزاح والسخرية، الأمر الذي يؤدي إلى صراعات اجتماعية وصعوبة في تكوين الصداقات.

عند المراهقين والبالغين:

تتفاقم الصعوبات الاجتماعية مع التقدم في العمر، إذ يجد المراهقون والبالغون المصابون صعوبة في التواصل مع الآخرين، سواء في البيئة الدراسية أو المهنية، ما ينعكس سلبًا على أدائهم الأكاديمي وفرص نجاحهم الوظيفي.

كما يعانون من صعوبة في تحديد الأولويات، والحفاظ على علاقات طويلة الأمد، وتنظيم الوقت والالتزام بالمواعيد.

وتشمل الأعراض الأخرى صعوبة قراءة الخرائط والرسوم البيانية، وضعف التمييز البصري، وصعوبات التفكير والاستدلال، والميل إلى التحدث بإفراط ومشاركة معلومات شخصية بشكل غير مناسب، والتمسك بالروتين والانزعاج من التغييرات، إضافة إلى القلق الاجتماعي، وتجنب التجارب الجديدة، والميل إلى العزلة.

كيف يتم تشخيص الاضطراب؟

لا يُدرج اضطراب التعلم غير اللفظي حاليًا ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، ولا ضمن التصنيف الدولي للأمراض الصادر عن منظمة الصحة العالمية.

ويعتمد التشخيص على ملاحظة الأهل والمعلمين للأعراض، ثم إحالة الطفل إلى اختصاصي نفسي عصبي، يجري تقييمًا شاملًا يشمل المهارات اللغوية، والبصرية-المكانية، والحركية، ومستوى الذكاء، ومقارنتها بالسمات المعروفة لهذا الاضطراب.

وفي كثير من الحالات، يُشخص الاضطراب خطأ على أنه صعوبة تعلم محددة، أو اضطراب في التنسيق النمائي، أو رهاب اجتماعي، أو اضطراب طيف التوحد، أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ما يؤخر حصول الطفل على الدعم المناسب.

ماذا عن العلاج؟

لا يوجد علاج دوائي محدد لاضطراب التعلم غير اللفظي، إلا أن التدخل المبكر والدعم المناسب يسهمان في تحسين الأعراض والحد من آثارها.

وترتكز الخطة العلاجية عادة على تطوير المهارات الاجتماعية، وتقديم استراتيجيات تعليمية وتنظيمية مخصصة، إلى جانب العلاج النفسي أو جلسات الدعم لتعويض المهارات المتأثرة.

دور الأهل:

يُعد دعم الصحة النفسية للطفل أمرًا أساسيًا، إذ يدرك الأطفال المصابون أنهم يواجهون صعوبات تختلف عن أقرانهم، ما يؤثر في ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم. لذلك، يكونون أكثر عرضة للقلق العام والقلق الاجتماعي، ويشكل العلاج النفسي عنصرًا مهمًا في مساعدتهم على التكيف.

دور الكادر المدرسي:

بعد التقييم الأولي، يمكن للمدارس إعداد خطط تعليمية تراعي احتياجات الطفل، تشمل تسهيلات أكاديمية واجتماعية، ووقتًا إضافيًا للتدريب على التعرف إلى الأنماط وتنظيم الأفكار، إضافة إلى الإرشاد لمساعدته على فهم التوقعات الاجتماعية والتفاعل معها بشكل أفضل.

ويبقى فهم اضطراب التعلم غير اللفظي خطوة أساسية نحو الحد من معاناة المصابين به، وتمكينهم من استثمار قدراتهم الكامنة، لا سيما في ظل ما يمتلكه كثير منهم من ذكاء لغوي وإمكانات فكرية عالية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق