سوريا والقفز على أيام الرعب بأخوّة التراب

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا والقفز على أيام الرعب بأخوّة التراب, اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025 09:44 صباحاً


البنادق أنواع، بندقية ذات قضية كتلك التي تندرج تحت إطار الدولة، أي دولة كانت، ومن يحملها يعد عظيما فوق الأرض وتحتها. وبندقية بلا قضية، مثل التي تعرض للاستئجار، في سوق مقاولات الحروب. وبندقية الأخ، وهذه تسقط قيمتها ورمزيتها، إذا تم إشهارها بين الإخوة، إخوة الدم، إخوة الوطن والتراب.

والانزواء في إطار الدولة والقانون ليس ضعفا ولا جبنا. إنه أعلى سقف في الحكمة وصوت العقل والتعايش مع الآخر، لتمضي الحياة بهدوء وسلام.

سوريا دولة ذات تركيبة اجتماعية ضاربة في أعماق التاريخ. العشائر القبلية؛ والبدو، والسنة، والشيعة، والدروز، والعلوية، والكرد، والتركمان؛ تكتلات عريقة، لها من المواقف المشرفة، ما لا يكفيه مقال أو اثنين أو مئة.

سأروي إحدى القصص. سلطان باشا الأطرش الزعيم الروحي التاريخي للمكون الدرزي؛ يوما ما، رفض قيام دولة درزية مستقلة في عشرينيات القرن الماضي، إبان الانتداب الفرنسي.

قاتل الرجل مع الفرنسيين ضد العثمانيين، ومن ثم انقلب على رفقاء السلاح، ليس خذلانا أو خيانة، بل رفض لمبدأ الانتداب حينها، الذي كان يروج لاستقلال جبل الدروز عن سوريا. لماذا؟ لأنه اعتبر الاستقلال أو الانفصال - سمه ما شئت -، انقلابا على الوحدة العربية العريضة.

مع الوقت ثار ضد الفرنسيين عام 1925، بما يسمى بالثورة السورية الكبرى، وتمكن من حكم جبل الدروز بالاتزان، لا بالقوة.

السؤال: ما الفائدة المستخلصة من هذه الرواية؟ نسف مفهوم تعزيز الطائفية والفئوية المجتمعية، الذي نافح الانتداب الفرنسي لتكريسه، ليس رفضا للسلطة، بل رغبة في التعايش مع شرائح المجتمع السوري الأخرى.

أتصور أن ما عاشته سوريا خلال الأيام الفائتة، لن يتم حله بالبنادق والدم، بل بالحفاظ على السلم الأهلي، وانخراط جميع المكونات السورية في مشروع وطني مشترك يبنى على التعايش والاستقرار المجتمعي، وهذا سيتحقق بتجاوز الانتماءات الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية، وإرساء الأمن والاستقرار اللازمين، لانطلاق سوريا الجديدة، لمستقبل واعد بالتنمية والازدهار.

لذلك، مفروض أن تعي المكونات السورية على مختلف مشاربها، أن الانقسامات والعداء، وإشعال الخلافات الدينية والعرقية، ووضعها محل الوطن والهوية، خطر وجودي يهدد السلم، ويعبث بمقدرات الإنسان والوطن.

والعقلاء السوريون أجزم أنهم أدركوا أن مفهوم الاستقواء على الدولة بالخارج، مفهوم مريب - ولا أريد ربطه بالخيانة - ولا يخدم المصالح الوطنية العليا، بقدر ما يحقق رغبات خارجية لا تتمنى الاستقرار لدولة للتو خرجت من حرب طاحنة دامت أكثر من 15 عاما، ذهب ضحيتها خيرة شباب البلاد، ما بين قتيل أو مفقود أو هارب للخارج من الموت.

وبالنظر إلى سوريا نحن أمام مشهدين، نقي وقذر. الأول: ينجلي برؤية ما تبذله الحكومة السورية من جهود لتحقيق الأمن والاستقرار، وحماية الشعب الذي يؤمن بدولته، وفرض السيادة على كامل أراضي الوطن، ومنع انتشار السلاح السائب. وهذا مفيد حسب ما يراه العالم.

الثاني - أقصد القذر -: يتجسد بما تعمل عليه إسرائيل، كيف؟ من يعتقد أو يخال له أن تل أبيب بتدخلاتها السافرة، ومخالفة الأعراف الدولية والإنسانية، من قصف لدمشق والسويداء، ذا أهداف سامية، فهو واهم.

لأن إسرائيل في أصلها، كيان غاصب لأراض عربية، وهذا العامل يحرمها أي فكرة يمكن أن تقوم عليها نزاهة الدفاع عن فئة معينة في دولة أخرى، هذا أولا. ثانيا: هناك أهداف إسرائيلية مبطنة من التدخل السافر في الشأن السوري، فمهما حاولت التبرير بأن قصف سلاح الجو لمواقع داخل سوريا لمواجهة تهديدات أمنية، أو لحماية الدروز، فهذا كذب في وضح النهار.

ما الهدف إذن؟ عرقلة جهود الحكومة السورية الجديدة في فرض القانون على الجميع. ماذا أيضا؟ تخشى تل أبيب من تنامي شعبية الدولة، وإمكانية بسط سيطرتها على المناطق الجنوبية المحاذية لحدودها.

لذلك كثف الإسرائيليون من قادة الجيش وحتى رئيس الوزراء نتنياهو، التواجد على الحدود المتاخمة للأراضي السورية في فترة مضت. وبذلك رسالة، ما مفادها؟ فرض واقع جديد بالجنوب السوري، يعتمد على استراتيجية تواجد الجيش الإسرائيلي في المناطق الحدودية، لا بل ويمكنه التوغل إلى الداخل بضع كيلومترات.

وهناك سبب آخر في غاية الأهمية، ما هو؟ تريد إسرائيل الضغط على الدولة السورية، لتحقيق مكاسب تفرضها القوة لا الدبلوماسية، ما إذا فهمنا أن هناك طاولة حوار تجمع الطرفين برعاية أمريكية، في العاصمة الأذربيجانية باكو، لإبرام اتفاق أمني بين البلدين. بمعنى التفاوض والمسدس الإسرائيلي على الطاولة.

إن تغاضي المجتمع الدولي عن عربدة إسرائيل، يمنحها بعضا من الشرعنة، وقد يستدعي حملة السلاح الخارج عن القانون، في دولة تنشد العيش والسلام، بمنطقة مثخنة بالجراح.

في القصة السورية تُفتح أبواب الأسئلة، أبرزها، تلك التي تقف على حد السكين. ما دوافع رفع السلاح بين الإخوة، أين ذهبت الرصاصة، أصابت من، قتلت من، ولحساب من، ولماذا أطلقت، ومن المستفيد، ومن الخاسر؟

في القصة السورية الكل يمكن أن يغيب. وتبقى بعض القصص، كمواد تثري الدراما، التي تصور حياة المغامرين والمقامرين، المنتجة لحواديت، تشبه لحد كبير، أفلام المافيا الآسرة.

ولا حل لإطفاء النار إلا أن تقفز سوريا بأهلها وناسها، على أيام الرعب.. بأخوّة التراب.

أخبار ذات صلة

0 تعليق